Ezzahery Khalid
Ezzahery Khalid

كيفاش يمكن نطوروا الاقتصاد الرياضي في المغرب ؟

DEVELOPPEMENT DURABLE

وضعية الرياضيين بالمغرب في الرياضات الفردية

 بين النص القانوني والواقع

ذ.خالد الزاهري

باحث في سلك الدكتوراه

جامعة مولاي إسماعيل بمكناس

بطل وطني ودولي في رياضة التايكوندو

 

   مارس الإنسان الرياضة منذ القدم، وترك رسوما على جدران الكهوف توحي بشغفه الكبير بالنشاط الجسدي، كما خلد المصريون القدماء رسوما ورموزا تدل على أنهم مارسوا نشاطات رياضية مختلفة على سبيل اللهو والمتعة، ويمكن أن نجد أيضا إشارات في تاريخ الحضارة الصينية القديمة التي عرفت بالخصوص أنشطة رياضية كانت بمثابة تدريبات عسكرية وقتالية، يجتمع فيها الجسدي بالفكري والروحي، وأيضا العلمي والمعرفي. أما الحضارة اليونانية فتاريخها يمتد إلى اليوم عبر مسابقات الألعاب الأولمبية والتي تعتبر أرقى المسابقات والأكبر قيمة لدى الرياضيين.

   ومع مرور الزمن تطور النشاط الرياضي ليصبح من أهم الظواهر المجتمعية، يتقاطع فيها الجانب التربوي والصحي وحتى الترفيهي، ما أدى إلى تنظيمه مؤسساتيا وقانونيا، وإحداث هيئات ومؤسسات رياضية محليا ووطنيا ودوليا، تتمثل في الأندية والجمعيات الرياضية والجامعات والاتحادات الرياضية، تناط بها مهام تنظيم الأنشطة الرياضية وتطويرها على المستوى التقني والإداري.

     وظل النشاط الرياضي لزمن طويل بعيدا عن كل تأثير قانوني، فترسخ في الأذهان أنه مجال لا دخل للقانون فيه، وربما كان من أسباب ذلك أن الرياضة كانت مجرد نشاط فردي ترفيهي، كما أن قيام الرياضة الحديثة على مبدأ الهواية، كما أعلنها البارون بيير دي كوبيرتان[1] عند إحداث اللجنة الأولمبية في القرن التاسع عشر ساعد بدوره في وجود هذا الاعتقاد. غير أن إحداث محكمة رياضية من قبل اللجنة الأولمبية الرياضية سنة 1904 على يد خوان أنطونيو سامارانش [2] رئيس اللجنة الدولية الأولمبية آنذاك والمحكم الدولي الشهير القاضي السنغالي كيبا مباي[3] وضع لبنة أولى لإخراج الرياضة من عالم اللاقانون إلى عالم القانون على حد تعبير جون كاربونييه في كتابه الشهير Flexible droit.[4]

    وقد عرف المغرب صدور قانون التربية البدنية رقم 06.87 الذي عمر عشرين سنة، دون أن تتمكن الحكومات المتوالية من مواكبة التحولات الرياضية بالترسانة التشريعية اللازمة، فكانت الحصيلة التشريعية هزيلة، فإلى جانب صدور ظهير شريف بتاريخ 19 ماي 1989 بتنفيذ القانون رقم 06.87 ، صدر بعد أربع سنوات مرسوم بتاريخ  29 أكتوبر 1993 لتطبيق القانون رقم 06.87 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، وبعدها صدر مرسوم بتاريخ21 يوليو 1995 بسن الأنظمة الأساسية النموذجية للجمعيات الرياضية للهواة والعصب الجهوية والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وليس للجامعات الرياضية، ثم قرار لوزير الشبيبة والرياضة  بتاريخ 7 يوليو 1997  المتعلق بوضع نضام أساسي نموذجي لجمعيات الهواة الرياضية المتعددة الأنشطة، وأخيرا صدر قرار مشترك للوزير الأول ووزير التربية الوطنية والشباب بتاريخ 8 ديسمبر 2003 بشأن استغلال القاعات والمؤسسات الخاصة للرياضة والتربية البدنية.

    وبعد عشرين سنة صدر قانون جديد للتربية البدنية والرياضة رقم 30.09 بتاريخ 25 أكتوبر 2010، ثم انتظر الفاعلون الرياضيون سنة بأكملها ليصدر المرسوم التطبيقي لهذا القانون بتاريخ 21 نونبر 2011، ثم الى غاية 4 أبريل 2013 أصدر الوزير الحالي السيد رشيد الطالبي العلمي قرارا بشأن النظام الاساسي النموذجي للجامعات الرياضية.

   ورغم هذه الترسانة التشريعية التي قد تبدو متطورة وتستجيب لواقع الرياضة بالمغرب، إلا أن تصفح واقع الرياضيين خصوصا في الرياضات الفردية يدل على أن قطاع الرياضة يعرف هشاشة خطيرة، تتمثل في ضعف الضمانات القانونية التي تحمي مستقبل الرياضي ووضعه المادي، في ظل إمكانية التعرض للإصابات الدائمة التي قد تؤدي إلى توقف المسار الرياضي وبالتالي المهني، كما يصعب التمييز بين الرياضي المحترف والرياضي الهاوي في الواقع العملي.  

   وانطلاقا من هذا التشخيص نتساءل حول مدى استجابت القوانين المتعلقة بالرياضة لمطالب الحماية المتعلقة بوضعية الرياضيين الفرديين بالمغرب؟ وهل تتناسب مع واقع الرياضات الفردية ومع متطلبات النتائج على المستوى الوطني والدولي؟ وكيف يمكن التمييز بين الرياضي المحترف والهاوي في ظل الممارسة الواقعية للرياضات الفردية؟

   بما أن الإنجازات الرياضية تبقى رهينة التداريب المنهجية والمبرمجة والتي تتطلب الوقت اليومي على مدار أشهر وسنوات، فالرياضي الذي يمثل وطنه ويحمل رايته في التظاهرات القارية والدولية، يضحي بكل وقته وجهده من أجل تحقيق الانتصار، الشيء الذي يفهم منه أنه يضحي بأوقات دراسته ومستقبله المهني (أولا)، بالإضافة إلى أن الرياضي قد يجد نفسه مجبرا ليتوقف عن مسيرته الرياضية بسبب الإصابة أو ضعف التمويل، مما يعني ضياع حقوقه بسبب ضعف وهشاشة الضمانات القانونية التي تؤطر نشاطه (ثانيا).

أولا) معايير ومقومات تمييز الرياضيين الوطنيين المحترفين بين القانون والممارسة

ثانيا) محدودية الضمانات القانونية المقررة لحماية الرياضيين الفرديين الوطنيين

 

أولا) معايير ومقومات تمييز الرياضيين الوطنيين المحترفين بين القانون والممارسة

    رغم التطور الذي شهده قطاع الرياضة، إلا أنه ظل شبه بعيد عن الدراسات والنقاشات القانونية، فالصورة المتداولة لدى معظم المهتمين عن قطاع الرياضة تتمثل في ذلك النشاط الجسدي الذي يهدف إلى الترفيه والتنشيط أو الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية. وهذا ما يمكن فهمه من خلال التعريف الذي جاء في القاموس الفرنسي la rousse الذي عرف الرياضة بأنها:" مجموعة تدريبات جسدية تؤدى في شكل فردي أو جماعي تهدف إلى الترويح عن النفس أو مجرد اللعب أو المنافسة، وتمارس من خلال قواعد معينة تعرف بقواعد اللعبة دون السعي لتحقيق غرض نفعي مباشر".[5]  

   والواقع أن هذا المفهوم التقليدي للرياضة، وإن كان يصدق على فئة معينة ممن يمارسون الرياضة وهم عامة الناس الذين يمارسون الأنشطة الرياضية للتسلية وترويض الجسم وتمضية أوقات الفراغ، وكذلك فئة الرياضيين الهواة الذين لا يسعون إلى تحقيق عائد مالي من وراء ممارسة الرياضة.  إلا انه لا يصدق على فئة أخرى من الرياضيين ذوو المستوى العالي الذين يحترفون نشاطا رياضيا معينا، ويتفرغون له ويتقنون فنونه وقواعده ويجيدون أداءه بالتدريب المنهجي المكثف والمستمر سعيا منهم للحصول على مقابل لعبهم وألقابهم، بحيث يصبح هذا النشاط الرياضي هو نشاطهم المهني، وبالتالي فإن الرياضة لم تعد بالنسبة لهؤلاء المحترفين مجرد لعبة أو تسلية، وإنما أصحبت مهنة أو عمل لحساب النادي أو الجهة التي يحمل شعارها مقابل حصوله على أجر.

   وانتشرت ظاهرة الاحتراف الرياضي وسيطرت على معظم أنواع الرياضات حتى أصبح الاحتراف السمة الغالبة التي تميز النشاط الرياضي في الحاضر. وأمام هذا الواقع الذي لا يمكن تجاهله فقد اتجه الفقه الحديث إلى تعريف الرياضة بأنها:" ممارسة تمارين بدنية باتباع قواعد محددة بهدف تنمية القدرات الجسمية والذهنية للشخص، وهي تؤدى على سبيل التسلية أو على سبيل الاحتراف".[6]

    إذن، ففي الميدان الرياضي يتم التمييز بين الرياضي المحترف والرياضي الهاوي على أساس الهدف من ممارسة النشاط الرياضي، فالرياضي المحترف يهدف دائما من وراء نشاطه الرياضي الحصول على مقابل مادي نظير الجهد الذي يقدمه، وبالرجوع إلى القانون نجد المشرع قد ميز بين الرياضي الهاوي والرياضي المحترف (أ) إلا أن واقع الحال يحيل من خلال تشخيص بعض الحالات في الرياضات الفردية بالمغرب بأن النص القانوني ظل بعيدا عن الممارسة الفعلية (ب).

  • التعريف القانوني للرياضي المحترف

   بالرجوع إلى القانون رقم 30.09 المتعلق بالرياضة والتربية البدنية نجده يقدم تعريفا يميز من خلاله بين الرياضي الهاوي والرياضي المحترف من خلال المادة الأولى التي خصصت لتعريف المصطلحات الواردة في القانون، والتي نصت على أن:" الرياضي هو كل لاعب أو ممارس رياضي يزاول نشاطا رياضيا أو بدنيا أو ذهنيا" أما الرياضي الهاوي حسب نفس المادة فهو " كل رياضي غير محترف". وعرّفت الرياضي المحترف بأنه " كل رياضي يمارس مقابل أجر بصفة رئيسية أو حصرية نشاطا رياضيا لأجل المشاركة في منافسات او تظاهرات رياضية". أي أن الرياضي المحترف هو من يتقاضى أجرا مقابل الجهود التي يبذلها من أجل تمثيل المؤسسة التي يرتبط معها بموجب عقد يسمى "عقد الشغل"، وهذا ما نصت عليه المادة 14 من نفس القانون المذكور.

   وقد ظهرت العقود الرياضية عند انتشار ظاهرة الاحتراف الرياضي لتأطير العلاقة بين الرياضيين والأندية الرياضية والاتحادات، واختلف الفقه والقضاء حول تكييف طبيعة هذه العقود، فهناك من اعتبرها عقود مقاولة، بينما اعتبرها اتجاه أخر عقود شغل بين أجير ومشغل، واستند الاتجاه الأول على حجة انتفاء علاقة التبعية بين الرياضي والمؤسسة التي يمثلها (نادي رياضي أو جمعية رياضية أو اتحاد رياضي...) فاعتبروه فنانا يسعى من وراء ممارسة النشاط الرياضي إلى إبراز مواهبه وقدراته الخاصة بشكل مستقل دون الخضوع لأي نوع من أنواع الرقابة أو الإشراف، مما ينفي عنصر التبعية الذي يعتبر أساس عقد الشغل، وبالتالي يحرم الرياضي المحترف من الاستفادة من الضمانات والتأمينات الاجتماعية المقررة للأجراء، وهذا ما قضت به محكمة كان في فرنسا بتاريخ 30 أبريل 1947 كما تبنت محكمة النقض الفرنسية هذا الاتجاه حيث قررت أن لاعب كرة القدم المحترف لا يعتبر تابعا للنادي المتعاقد معه لانتفاء علاقة التبعية بينه وبين النادي.[7]

   وبالتالي فإن عقود عمل الرياضيين لم تعد تثير إشكالات فقهية أو قضائية حول طبيعتها القانونية، فهي عقود تندرج ضمن عقود الشغل.[8]  وهذا ما نجده في القانون رقم 30.09 المتعلق بالرياضة والتربية البدنية، حيث يعتبرها عقود شغل، وحسب المادة 14 منه فهذه العقود تخضع لقانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل مع إدراج استثناءات تتطلبها طبيعة موضوع العقد الذي يتأسس على نشاط رياضي، وبالتالي فهم أجراء بطبيعة متميزة.

  • المعايير الواقعية لتعريف الرياضي المحترف

   من خلال استقراء مضامين القانون المتعلق بالرياضة والتربية البدنية نجد أنه ركز على معيار "العقد" لاعتبار الممارس رياضيا محترفا، ما يعني بمفهوم المخالفة أن غياب العقد في وضعية الرياضي تجعله بعيدا عن تطبيق مقتضيات معيار الاحترافية أو المهنية لدى الرياضي، وهذا ما لا يستقيم مع الواقع العملي في الميدان الرياضي بالمغرب، خصوصا في الرياضات الفردية. حيث غاب عن المشرع تصنيف الرياضيين من المستوى العالي كرياضيين محترفين/ مهنيين.

   فأغلب الرياضات الفردية ينتمي ممارسوها إلى جمعيات رياضية، وبالرجوع إلى تعريف الجمعية طبقا للقانون فهي منظمات لا تهدف إلى الربح،[9] كما أن مواردها المالية لا تكفي لتغطية مصاريف عقود الشغل مع رياضيها، فأغلب الموارد التي تغطي مصاريف الجمعيات الرياضية تتمثل في رسوم الانخراط السنوية أو الشهرية، بالإضافة إلى إعانات ضعيفة وموسمية نادرة تتلقاها من السلطات المحلية، في غياب تام للدعم المالي الذي تعرفه الأندية في الرياضات الجماعية خصوصا في رياضة كرة القدم.

   بالإضافة إلى أن القانون لا ينص على ضرورة توقيع عقد شغل بين الجمعية أو النادي الذي ينتمي إليه الرياضي والجامعة المسؤولة عن تنظيم النوع الرياضي، عند التحاقه بعناصر المنتخب الوطني، بمعنى: أن الرياضي عندما يحصل على لقب وطني يخول له الانضمام إلى فريق المنتخب الوطني الذي يمثل المغرب في التظاهرات الدولية والاولمبية، لا يوقع عقد شغل يجمعه بين الجامعة الوصية أو الوزارة، ما يجعله طبقا للقانون: رياضي هاوي، رغم أنه رياضي ذو مستوى عالي، ورغم أنه يزاول النشاط الرياضي بشكل منتظم على مستوى التدريبات والإعدادات، أي أنه يتفرغ كليا للتدريبات الرياضية بشكل يومي على مدار مدة زمنية طويلة، بمعنى أنه فعليا يمارس النشاط الرياضي بصفة مهنية احترافية.

  ورغم أن القانون 30.09 المتعلق بالرياضة والتربية البدنية أشار إلى إمكانية منح صفة "رياضي من المستوى العالي" من لدن لجنة وطنية لرياضة المستوى العالي، باقتراح من الجامعة الرياضية المعنية وبعد استطلاع راي اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية، للرياضيين الذين يحملون القاب وطنية او عالمية طبقا لمنطوق المادة 57 من نفس القانون، والذي صرح في المادة 81 منه على أن الدولة تساهم في تكوين النخب الرياضية وإعداد المنتخبات الوطنية ومشاركتها في المنافسات الرياضية الدولية، وتسهر على ذلك بتنسيق مع اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية والجامعات الرياضية المعنية. كما أشارت نفس المادة إلى أن الدولة والجماعات الترابية تضمن للرياضيين من المستوى العالي الاندماج في المجتمع والتدريب على ممارسة مهنة من المهن، وذلك بواسطة وسائل تتيح لهم تحصيل تكوين مهني وتنميته والعمل على تكييف كفاءاتهم مع متطلبات المجتمع.

   ما يعني أن الرياضي من المستوى العالي لا يعتبر محترفا، لكونه لا يمارس نشاطه الرياضي كنشاط مهني يؤطره عقد الشغل ويضمن له حقوقه كأجير، بين الجمعية/النادي الذي ينتمي إليه والجامعة الوصية على نوع النشاط الرياضي الذي يمارسه، وإلا فلماذا ستساعده الدولة أو الجماعات الترابية على الاندماج في مهنة من المهن إن كان يمارس في الأصل مهنة تتمثل في نشاطه الرياضي؟

  ما يفيد أن الرياضي الذي ينضم إلى عناصر المنتخب الوطني المغربي في الرياضات الفردية، والذي يمثل المغرب في التظاهرات الدولية والأولمبية، دون توقيع عقد شغل يجمعه مع الجامعة المعنية يبقى رياضيا بصفة "هاوي"، وإن كانت التظاهرة التي يشارك فيها ذات طابع احترافي كالألعاب الأولمبية مثلا، أو البطولات الدولية المصنفة التي يشارك فيها الرياضيين المصنفين، وأغلب ما يمكن أن يحصل عليه هي صفة رياضي من المستوى العالي طبقا للمسطرة والشروط المذكورة أعلاه، والتي ينتج عنها دعم مالي للإعداد والتحضير، وفي أحسن الأحوال منح مالية إن حصل على لقب، أو إمكانية الإدماج في سوق الشغل بعد انتهاء المسيرة الرياضية.

ثانيا) محدودية الضمانات القانونية المقررة لحماية الرياضيين الفرديين

   إن تصفح واقع الرياضة المغربية وتشخيص المشاكل الواقعية التي يعاني منها الرياضيون من المستوى العالي (أ) الذين يمثلون المغرب في التظاهرات الدولية والاولمبية تجعلنا نشكك في فعالية الإطار القانوني المنظم لقطاع الرياضة بالمغرب، الذي لا يضمن الحد الأدنى من الحقوق التي يجب أن تتوفر للرياضي خلال مسيرته الرياضية وبعد انتهائها، ما يجعلنا نبحث عن حلول عملية للمشاكل التي تتكرر لدى أغلب الرياضيين الذين يضعون مستقبلهم الدراسي والمهني على المحك من أجل الرياضة الوطنية، خصوصا من خلال التجارب المقارنة (ب).

  • تشخيص واقع وضعية الرياضيين الفرديين بالمغرب

   لتشخيص واقع وضعية الرياضيين في الرياضات الفردية بالمغرب سنأخذ مثالا لسياق حتمي يتكرر مع أغلبية الرياضيين، والذي يترتب عنه نتائج متشابهة، اللهم بعض الاستثناءات التي لا يقاس عليها، والتي تخص الرياضات البرجوازية: كالتنس والغولف...

    فالممارس ينطلق من جمعية رياضية بالنسبة لغالبية الرياضات الفردية (خصوصا الرياضات الدفاعية وألعاب القوى...)، فإذا استطاع تحقيق لقب وطني في إحدى البطولات الوطنية الرسمية، يكون مؤهلا لاجتياز معسكر تدريبي انتقائي لعناصر المنتخب الوطني،[10] وفي حالة اثبات قدراته الرياضية يصبح عضوا في المنتخب الوطني لتمثيل المغرب في التظاهرات الدولية للنوع الرياضي الذي يمارسه، فيخضع لتدريبات مكثفة حسب برنامج المدير التقني الخاص بالجامعة المعنية، ما يعني أنه يتفرغ كليا لأوقات التدريب، والمشاركات الدولية، الشيء الذي يفهم منه أنه قد ترك أوقات الدراسة، والتي قد تصادف اجتياز الامتحانات السنوية، حيث في كثير من الأحيان يخسر الرياضيون سنوات من الدراسة لعدم اجتياز الامتحانات الدراسية التي تتزامن مع التظاهرات الدولية.

 بالإضافة إلى غياب عقد شغل رياضي يجمع بين ناديه/جمعيته والجامعة المعنية بالنوع الرياضي الذي يزاوله، ما يجعل كل هذا الجهد الذي يبذله الرياضي رهين بلقب دولي قد يتلقى مقابله منحة مالية، والتي نتساءل حول مدى ضمانة هذه المنح لمستقبل الرياضيين؟

   ولتشخيص هذا الوقع أكثر، نستعرض بعض الحالات التي تعكس هشاشة هذه الوضعية، ومن أهمها:

ـ انسحاب المنتخب الوطني المغربي للدراجات الهوائية من طواف المغرب في مرحلته السابعة، لأسباب ذكرها عميد المنتخب تتمثل في الوضعية المادية المزرية الناتجة عن عدم تمويل الدراجين، ما يفرض عليهم اقتناء الدراجات الهوائية من مالهم الخاص لتمثيل المغرب في التظاهرات الرياضية.[11]

ـ الهجرة السرية للاعبي المنتخبات الوطنية في البعثات الوطنية خارج المغرب: حيث يقدم بعض اللاعبين في المنتخبات الوطنية المشاركين في التظاهرات الرياضية الدولية خارج المغرب إلى الهروب من البعثة وعدم العودة إلى أرض الوطن، لأسباب أهمها الوضعية الهشة، وغموض مستقبل المسار الرياضي في ظل الممارسات الواقعية.[12]

ـ اعتزال الرياضيين من المستوى العالي في سن مبكرة، واحتراف الرياضيين المغاربة بالخارج، واللعب لصالح بلدان أخرى، رغم حاجة الرياضة المغربية لهؤلاء الرياضيين.

ـ تدهور الوضعية المادية للرياضيين بعد انتهاء مسيرتهم الرياضية، رغم تحقيقهم ألقاب دولية من المستوى العالي، نذكر من بينهم البطل الدولي في العدو عبد الرحيم بن رضوان، الذي حصد أكثر من لقب دولي في ثمانينات القرن الماضي، والذي يعمل كمياوم في البناء. كذلك الراحل راضي بن عبد السلام الذي حقق أول ميدالية أولمبية عربية ومغربية في سباق الماراثون في دورة روما سنة 1960، والذي انتهى به الحال بائعا متجولا في أحياء مدينة فاس، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

  كل هذه المؤشرات تدل على الوضعية الهشة التي يعيشها الرياضيون بالمغرب والتي تنطلق من ضعف الحماية القانونية التي يوفرها الإطار القانوني المتعلق بالرياضة، بالإضافة إلى الممارسات الفعلية التي تصدر عن بعض مسيري الجامعات الرياضية، وضعف استراتيجية وزارة الشباب والرياضة بخصوص حماية الرياضيين من المستوى العالي الذين يمثلون المغرب تمثيلا مشرفا في التظاهرات الدولية والاولمبية.

  • مقترحات حلول لحماية الرياضيين في الرياضات الفردية بالمغرب من خلال التجارب المقارنة

    في حوار مع المدير التقني للجامعة المليكة المغربية للتايكوندو السيد PHILPE BAUIDO[13] حول واقع الرياضة الفردية والرياضيين بالمغرب، صرح بأنه:" وضع كارثي، وأن الإطار القانوني غير قادر على ضمان الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية والمالية للرياضيين، ورغم أن المغرب يزخر بالمواهب الرياضية التي تستطيع المنافسة على الصعيد الدولي في التظاهرات الدولية عالية المستوى، إلا أن إحساس الرياضيين بعدم الاستقرار وغموض المستقبل المهني يقف حاجزا أمام الاستمرار في احتكار منصات التتويج، وكمثال على ذلك بعض الأبطال الذين تتزامن مشاركاتهم مع اجتياز الامتحانات المدرسية خصوصا امتحانات البكالوريا، لا يخَول لهم إعادة اجتياز الامتحانات مما يسبب لهم ضياع حقهم في التمدرس رغم أنهم يمثلون راية المغرب...".

   ولهذا فالنظام القانوني الفرنسي يعمل على ضرورة توفير غطاء اجتماعي ملائم لممارسة الرياضة، وتطوير سبل وصول الرياضيين من المستوى العالي إلى وضع معترف به، وعلى وجه الخصوص والأولوية، وضعية الأجير المهني الرياضي، وذلك عن طريق إبرام عقد الشغل للاستفادة من تطبيق مقتضياته والضمانات التي يوفرها.[14]

   فأغلبية الرياضيين من المستوى العالي في وضع مادي خطير، لغياب مصادر دخل قارة وأساسية تدعمهم في مسيرتهم الرياضية، ولهذا قامت ألمانيا بتطبيق برنامج وطني سمي بنموذج "المساعدة الرياضية"، حيث استهدف البرنامج 3800 رياضي، بميزانية تتراوح بين 10 و12 مليون يورو سنويا، لتمويل البرامج الإعدادية للرياضيين، ولتفادي إثقال ميزانية الدولة، تكونت أهم مداخيل ميزانية هذا البرنامج من 65% من التبرعات، و15% من عائدات الإشهارات والإعلانات الرياضية، و20% من تمويل القطاع الخاص.[15]

  وفي فرنسا يستفيد الرياضيون من المستوى العالي من دعم "الدخل" لتلبية احتياجاتهم الأساسية كالسكن والتغذية والدراسة...، كما يستفيدون من توقيع اتفاقيات مهنية، وعقود التشغيل، أو مساعدتهم على التشغيل الذاتي. كما يتم تقديم مساعدات فردية، على شكل دعم من الدولة، وكذلك مساعدات محتملة من السلطات المحلية، وذلك بموجب منطوق المادة L 100-2 من مدونة الرياضة الفرنسية، والتي تنص على أن:" الدولة والجمعيات والاتحادات الرياضية يؤمنون تطور الرياضة من المستوى العالي وتنميتها بمساعدة الجماعات الترابية ومجموعات مقاولاتها المهنية".

   بخصوص الدعم المالي المقدم للرياضيين من المستوى العالي المقدم من الدولة في النظام الفرنسي، تمنحه الوزارة الوصية على قطاع الرياضة للرياضيين المساعدات الشخصية المالية المباشرة، وتتمثل في: مِنح المساعدات الاجتماعية، ومنح الدعم مشاريع التدريب، أو تنفيذ مشروع رياضي، وكذلك مكافآت الأداء والتي يحصل عليها الرياضيون الذين حققوا ألقاب في منصات التتويج في تظاهرات دولية أو أوروبية، وكذلك منح تسديد النفقات التي يتحملها الرياضيون من المستوى العالي المتعلقة بالتدريب أو بالنشاط الرياضي الذي يمارسونه، ويشمل هذا النظام 3000 رياضي تخصص لها ميزانية سنوية تبلغ أكثر من 9 ملايين يورو. هذه الإجراءات تستهدف ضمان الحد الأدنى من وضعية مالية تحقق الحماية الاجتماعية تهدف إلى تحقيق الشعور بالأمان والاستقرار بين الرياضيين.[16]

   وبالتوازي مع المساعدات الحكومية، تساهم الاتحادات الرياضية بحسب إمكاناتها أو اختياراتها في تمويل الرياضيين من المستوى العالي بشكل مباشر أو غير مباشر، كضمان المعاشات التعاقدية من خلال شركات التأمين، بالإضافة إلى أن هذه المساعدات تتمتع بالإعفاء الضريبي.[17]

    أما بخصوص المساعدات المقدمة من السلطات المحلية إلى الرياضيين من المستوى العالي، فهي مساعدات تطوعية على عكس المساعدات المقدمة من الوزارة الوصية التي يلزمها القانون بذلك، وأهم هذه المساعدات تتمثل في المِنح الدراسية، أو تنفيذ مخطط رياضي، حيث يستفيد العديد من الرياضيين من الدعم الجزئي أو الكلي لمشروع تدريبي إعدادي لبطولة دولية أو قارية. كما تم إنشاء صندوق مخصص للرياضيين من المستوى العالي بدعم من القطاع الخاص، يهدف إلى دعم وتقديم من للرياضيين خلال مسيرتهم الرياضية، ويهدف إلى تغطية تأمينات خطر التعرض إلى الإصابة الناتجة عن أنشطتهم الرياضية.[18] كما يخضع الرياضيون لنظام المعاشات الخاص بأجراء القطاع الخاص.

خاتمة

  إن المستوى الرياضي معيار مهم في تصنيف تقدم الدول، فمثلا في الألعاب الأولمبية دائما ما نجد الدول العظمى تتنافس على الرتب الأولى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا... كما أن بعض الدول تعرف برياضيها أكثر من تاريخها وسياسييها، وكما قال المغفور له الملك الحسن الثاني في أحد خطاباته «بأن المغرب يشتهر برياضييه أكثر مما يشتهر بملكه". ولهذا يجب حماية الوضعية المادية والاجتماعية للرياضيين رفيعي المستوى الذين يمثلون المغرب في مختلف التظاهرات الدولية والقارية وفي مختلف الرياضات، خصوصا الرياضات الفردية التي تعاني في صمت، فكيف نطالب الرياضيين بنتائج الفوز والتصنيف الدولي وهم يفكرون في تعويضاتهم ومستقبلهم المالي والاجتماعي؟

   وانطلاقا من تشخيص واقع الحال لواقع الرياضيين الفرديين، والاطلاع على التجارب المقارنة، يظهر أن القانون المنظم لقطاع الرياضة لا يضمن فعالية الحماية القانونية لفئة الرياضيين في الرياضات الفردية، خصوصا الرياضيين من المستوى العالي، ثم إن الممارسات أثبتت فشل هذه المنظومة.

   ولهذا يجب العمل على:

ـ تحضير الرياضيين من المستوى العالي لمرحلة ما بعد المسيرة الرياضية، ولذلك بضمان معاشات التقاعد، والإدماج في سوق الشغل.

ـ توفير الحماية الاجتماعية والمادية للرياضيين من المستوى العالي الذين يمثلون المغرب خلال مسيرتهم الرياضية.

ـ تأمين وضع قانوني للرياضيين من المستوى العالي يضمن الحفاظ على عقد الشغل بين أنديتهم/جمعياتهم والجامعات الممثلة للنوع الرياضي الذي يمارسونه.

ـ تأمين مصادر الدخل المختلفة.

 

 

 

 

لائحة المراج:

باللغة العربية:

  •  زياد علاء الدين، عقد العمل الرياضي، رسالة التخرج لنيل شهادة الماجستير مدرسة الدكتوراه، تخصص القانون الرياضي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة جيلالي اليابس ـ سيدي بلعباس الجزائر، السنة الجامعية 2016/2015.
  •  عبد الحميد عثمان الحنفي، عقد احتراف لاعب كرة القدم ـ مفهومه ـ طبيعته القانونية ـ نظامه القانوني ـ دراسة مقارنة بين لوائح الاحتراف في بعض الدول العربية، المكتبة المصرية للنشر والتوزيع، ط1، 2008.
  • بن عزوز بن صابر، الطبيعة القانونية لعقد لاعب كرة القدم المحترف في التشريع الجزائري، مجلة نظرة على القانون الاجتماعي، جامعة وهران الجزائر، مطبوعات دار الأديب، عدد 5، 2014.

 

باللغات الأجنبية:

 

  • Christian taursel, le statut du sport professionnel, thèse Lille, 1965.
  • Jean-Rémi Cognard, Contrat de travail dans le sport professionnel, Juris éditions, 2012.
  • Guide juridique, sur la prévention et la lutte contre les activités, la violence et les discriminations dans le sport, janvier 2013, ministère française des sports, de la jeunesse, de l’éducation populaire et de la vie associative.
  • Statuts des sportifs, rapport remis à M, thierry BRAIIARD, secrétaire d’état aux sports et JEAUN-PIERRE KARAQUILLO, 18 février 2015, édition : ministère de la ville de la jeunesse et des sports.
  • R. Monnereau (IGJS), L’évaluation de la mise en oeuvre du double projet des sportifs de haut niveau et des sportifs en centres de formation des clubs, déc. 2013.
  • P. Mignon, Le sportif d’élite, un travailleur exemplaire ?, in Où va le sportif d’élite ?, Dalloz, Presaje, 2006.
  • V. l’audition de R. Lafore, co-auteur de Droit de la sécurité sociale, Dalloz, coll. Précis, 17e éd., 2011.

 

 

     

 

 

[1]  بيير دي كوبيرتان، ولد في فرنسا بباريس العاصمة، (1 يناير 1863 / - 2 سبتمبر 1937) يعرف أيضا بـ (بيير دي فريدي) وهو مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة و مصمم رموزها كالعلم و الشعار.

[2]  خوان أنطونيو سامارانش، بالإسبانية Juan Antonio Samaranch)) 17 يوليو 1920 - 21 أبريل  2010 الرئيس السابع للجنة الأولمبية الدولية التي ترأسها لمدة 21 سنة، من عام 1980 إلى 2001.

[3] Kéba Mbaye (1924-2007) était un juriste sénégalais, qui occupa les plus hautes fonctions dans la magistrature sénégalaise et le mouvement olympique.

[4]  زياد علاء الدين، عقد العمل الرياضي، رسالة التخرج لنيل شهادة الماجستير مدرسة الدكتوراه، تخصص القانون الرياضي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة جيلالي اليابس ـ سيدي بلعباس الجزائر، السنة الجامعية 2016/2015، ص 6.

[5]  عبد الحميد عثمان الحنفي، عقد احتراف لاعب كرة القدم ـ مفهومه ـ طبيعته القانونية ـ نظامه القانوني ـ دراسة مقارنة بين لوائح الاحتراف في بعض الدول العربية، المكتبة المصرية للنشر والتوزيع، ط1، 2008، ص 5.

[6] Christian taursel, le statut du sport professionnel, thèse Lille, 1965, P13.

[7]  بن عزوز بن صابر، الطبيعة القانونية لعقد لاعب كرة القدم المحترف في التشريع الجزائري، مجلة نظرة على القانون الاجتماعي، جامعة وهران الجزائر، مطبوعات دار الأديب، عدد 5، 2014، ص 60.

[8] Jean-Rémi Cognard, Contrat de travail dans le sport professionnel, Juris éditions, 2012, p :53.

[9]  ينص الظهير رقم 1.58.376 المتعلق بحق تأسيس الجمعيات في الفصل الأول على أن الجمعية :" هي اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطاهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم".

[10]  تنص المادة 29 من قانون 30.09 المتعلق بالرياضة والتربية البدنية على أنه:" تضطلع الجامعات بصلاحية اختيار الجمعيات الرياضية والشركات الرياضية والرياضيين لتمثيل المغرب في المنافسات والتظاهرات الرياضية الدولية، دون الاخلال باختصاصات اللجنة الوطنية الأولمبية واللجنة الوطنية البارالمبية المغربية. ويجب اطلاع الإدارة على الاختيار المذكور".

[11]  تصريح عميد منتخب الدراجين عادل جلول في قناة medi1 tv بتاريخ 22 أبريل 2018.

[12]  من أهم الأحداث التي وقعت سنة 2018 بالنسبة لظاهرة هروب لاعبي المنتخبات الوطنية من البعثات الدولية:

ـ هروب لاعبة المنتخب الوطني لكرة القدم النسوية مريم بوحيد في إسبانيا، بعد إسدال الستار على مشاركة رفيقاتها في دوري كوتيف ألكوديا الدولي.

ـ هروب لاعب المنتخب الوطني المغربي للتايكوندو إبراهيم بورقية من بعثة الفريق الوطني المشارك في بطولة البحر الأبيض المتوسط المقامة في إسبانيا.

ـ هروب لاعبي المنتخب الوطني للمصارعة، المصارعان أيوب حنين وأنور طانغو من بعثة الفريق الوطني المشارك في بطولة البحر الأبيض المتوسط المقامة في إسبانيا.

 

[13]  مقابلة أجريت بتاريخ 14/01/2019 بمدينة الرباط

[14] Guide juridique, sur la prévention et la lutte contre les activités, la violence et les discriminations dans le sport, janvier 2013, ministère française des sports, de la jeunesse, de l’éducation populaire et de la vie associative, p : 132

[15] Statuts des sportifs, rapport remis à M, thierry BRAIIARD, secrétaire d’état aux sports et JEAUN-PIERRE KARAQUILLO, 18 février 2015, édition : ministère de la ville de la jeunesse et des sports, p :53.

[16] R. Monnereau (IGJS), L’évaluation de la mise en oeuvre du double projet des sportifs de haut niveau et des sportifs en centres de formation des clubs, déc. 2013, p. 18.

[17] P. Mignon, Le sportif d’élite, un travailleur exemplaire ?, in Où va le sportif d’élite ?, Dalloz, Presaje, 2006, spéc. p. 144

[18] V. l’audition de R. Lafore, co-auteur de Droit de la sécurité sociale, Dalloz, coll. Précis, 17e éd., 2011, p 28.

0 Commentaire(s)

Vous devez être connecté pour réaliser cette action.

Connexion

Inscription